نفَّذت هيئة البيئة – أبوظبي بالتعاون مع جامعة نيويورك أبوظبي، مهمة بحثية على متن سفينة الأبحاث البحرية «جيوَن»، بهدف دراسة التفاعلات المعقَّدة بين الميكروبات في النُّظم البيئية البحرية وفهم قدرتها على التكيُّف والإنتاجية في ظلِّ التغيرات المناخية المتزايدة والضغوط البيئية. وتندرج هذه المهمة ضمن جهود الهيئة لتعزيز الدراسات والبحوث البيئية التي تُسهم في دعم جهود الإدارة المستدامة للموارد البحرية والمبنية على البيانات العلمية. وكشفت النتائج الأولية عن مؤشرات واعدة تعكس مرونة البيئة البحرية في الخليج العربي.

قطع الفريق خلال المهمة البحثية مسافة 2,674 ميلاً بحرياً على مدى 46 يوماً، بمشاركة عشرة باحثين، قاموا بجمع وتحليل أكثر من 2,500 عينة مياه من 34 موقعاً ضمن المياه الإقليمية للدولة. وتركَّزت الدراسة على ثلاثة محاور رئيسية، هي تحليل توزيع المغذيات، وقياس مستويات الأكسجين، وتقييم إنتاجية العوالق النباتية بوصفها عناصر رئيسية تعكس صحة النظام البيئي البحري.

ومن أبرز النتائج التي رصدتها المهمة العلمية، تسجيل مستويات مستقرة ومنخفضة من المغذيات في المياه السطحية، ما يعكس الخصائص البيئية الفريدة للجزء الجنوبي من الخليج العربي، الذي يتميَّز ببيئة بحرية ذات تركيز منخفض للعناصر الغذائية. ويُعزى هذا النمط إلى عوامل طبيعية تشمل انخفاض معدلات الأمطار السنوية، وضعف حركة التيارات البحرية التي تُسهم في تغذية المياه الساحلية. ورغم هذه الظروف، كشفت البيانات عن وجود نظام بيئي عالي الكفاءة لتعويض هذا النقص في المغذيات، تقوده كائنات دقيقة متكيِّفة مع هذه البيئة الصعبة، حيث تعمل على تفكيك المواد العضوية المذابة في المياه وتحويلها إلى مغذيات، ما يُتيح للعوالق النباتية امتصاصها بشكل فوري، ويُسهم في استدامة الحياة البحرية رغم شحِّ المغذيات الخارجية.

وأظهرت النتائج أيضاً وجود مستويات مرتفعة وغير متوقَّعة من العوالق النباتية، حيث سجَّلت تركيزات الكلوروفيل – المؤشر الأساسي لوفرة هذه الكائنات المجهرية – معدلات تراوحت بين 5 و20 ميكروجراماً لكل لتر، متجاوزة بذلك المعدلات المعتادة في الأنظمة البيئية في كلٍّ من البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، والتي لا تتعدى في الغالب 0.05 – 1 ميكروجرام/لكل لتر. وبلغت كثافة الخلايا في أحد المواقع نحو 692,000 خلية لكلِّ لتر، بمتوسط عام وصل إلى 219,000 خلية، ما يشير إلى إنتاجية حيوية عالية في بيئة تُعرَف عادة بندرة المغذيات.

وفي الوقت نفسه، أظهرت البيانات وجود حالات متفرِّقة من نقص الأكسجين في بعض المناطق البحرية العميقة خلال فصل الصيف، وهو ما يُبرز أهمية تعزيز جهود الرصد البيئي، وفهم التأثيرات المحتمَلة لتغيُّر المناخ على النُّظم البحرية في الدولة.

وقال محمد حسن المرزوقي، مدير إدارة التنوُّع البيولوجي البحري لدى هيئة البيئة – أبوظبي: «تؤكِّد هذه النتائج قدرة الخليج العربي الفريدة على التكيُّف البيئي، وتُبرز أهمية التعاون العلمي طويل الأمد مع الجامعات والمؤسسات البحثية المرموقة مثل جامعة نيويورك أبوظبي. حيث نفخر في هيئة البيئة – أبوظبي بقيادة أبحاث علمية تُعمّق فهمنا للنظم البيئية البحرية. وتثبت النتائج الأولية لمهمة (جيوَن) كيف طوَّرت النظم البيئية آليات فعّالة لاستدامة الحياة، حتى في أقسى الظروف البيئية. وتُعَدُّ هذه المعارف ركيزة أساسية لحماية التنوُّع البيولوجي البحري، وتعزيز السياسات البيئية المستندة إلى الأدلة العلمية، وضمان استدامة الموارد الطبيعية في ظل التحديات المناخية المتسارعة».

وقال شادي أمين، الباحث الرئيسي المشارك في مركز مبادلة لأبحاث مناخ وبيئة الخليج العربي وأستاذ علم الأحياء في جامعة نيويورك أبوظبي: «نعيد مع هيئة البيئة – أبوظبي صياغة سردية جديدة حول الخليج العربي؛ فبعد أن كان يُعَدُّ واحداً من أقلِّ البحار دراسةً، يُسهم تعاوننا اليوم في بناء خط أساس علمي يكشف عن مرونة هذه النُّظم البيئية ويجعلها من بين الأكثر فهماً على مستوى العالم. وستكون هذه المعرفة أساسية في توجيه جهود الحفظ والسياسات وتعزيز القدرة على مواجهة تغيُّر المناخ في المنطقة». 

وتندرج مهام سفينة الأبحاث البحرية «جيوَن» ضمن جهود هيئة البيئة – أبوظبي لتعزيز المعرفة العلمية بالنُّظم البيئية في الخليج العربي، ورفع مستوى الجاهزية لمواجهة آثار تغيُّر المناخ. وتُعَدُّ هذه المهام البحثية ركيزة أساسية في دعم السياسات البيئية، وتعزيز جهود صون الموارد البحرية، وتوجيه مسارات التنمية المستدامة في الدولة. وتُمثِّل «جيوَن» نموذجاً متميِّزاً للتعاون العلمي بين الهيئة والمؤسسات الأكاديمية الرائدة، حيث تعمل السفينة كمنصة بحثية متقدِّمة تُمكِّن العلماء والباحثين من الجامعات المحلية والعالمية من تنفيذ دراسات ميدانية متخصِّصة، وتطوير أبحاث نوعية تعزِّز المعرفة البيئية المبنية على أسس علمية رصينة.