استكملت هيئة البيئة - أبوظبي بالتعاون مع المركز الدولي للزراعة الملحية، توثيق الدراسة الجينية الأولى من نوعها عن التركيب الجينومي لسلالات أشجار الغاف في الدولة، حيث أسفرت عن نتائج علمية قيّمة تسهم في صون هذه الشجرة الوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة، وتؤدي دوراً مهماً في تأهيل النظم البيئية المحلية لتصبح أكثر مرونة على التكيّف مع التغيرات المناخية.
تُعد شجرة الغاف رمزاً وطنياً وبيئياً وثقافياً لدولة الإمارات، وهي إحدى أهم مكونات المورث الطبيعي الوطني الثمين للدولة، وتؤدي دوراً بيئياً مهما في تثبيت الكثبان الرملية، وتحسين خصائص التربة، ودعم التنوع البيولوجي في البيئات الصحراوية. وعلى الرغم من أهميتها البيئية والثقافية، ظل تنوعها الجيني وتاريخها التطوري غير مفهومين بعمق حتى وقت قريب.
نفذ الدراسة مختصون في مركز المصادر الوراثية النباتي التابع لهيئة البيئة - أبوظبي والمركز الدولي للزراعة الملحية بهدف تقييم تسلسل الجينوم الكامل لعينات من أشجار الغاف جُمعت من مختلف موائل الغاف في أنحاء الدولة، وتشمل عينات من السهول الساحلية والوديان والكثبان الرملية وسفوح الجبال.
وكشفت الدراسة عن وجود أربع مجموعات جينية محددة ومن خلال التحليل المخبري للعينات المصنفة حسب مناطق الجمع، تبيّن أن إحدى هذه المجموعات، التي رُصدت في سفوح جبال الحجر ومحمية منتزه جبل حفيت الوطني في إمارة أبوظبي، تتميز بخصائص وراثية فريدة، ما يرجّح أنها تمثل سلالة أساسية مستقلة وقديمة مقارنة مع باقي العينات.
تُوفر هذه النتائج قاعدة بيانات غنية تسهم في توجيه جهود حفظ المجموعات الجينية الفريدة لشجرة الغاف، من خلال تعزيز كفاءة استراتيجيات بنوك البذور، ودعم مشاريع إعادة تأهيل الموائل الطبيعية والمبادرات الوطنية لزراعة أشجار الغاف. وتتيح هذه المعطيات فهماً أعمق لآليات التكيّف البيئي واستجابة الأشجار للتحديات البيئية، ما يعزز من فعالية تطبيق مفاهيم مثل هجرة الجينات والترميم الذكي مناخياً، لا سيما في المناطق المتأثرة بالتصحر أو الملوحة.
وفي إطار هذا المشروع، طورت أدوات رقمية مدمجة بخريطة جينومية تفاعلية توضح علاقة التغيرات الوراثية بين مجموعات الغاف الموثقة بالدراسة، وتساعد هذه الأدوات الرقمية خبراء الهيئة والمعنيين على تطبيق برامج الحماية، وتمكّن صناع القرار من تطوير استراتيجيات لحفظها واستدامتها تستند إلى أسس علمية وبيانات وراثية دقيقة.
وقال أحمد الهاشمي، المدير التنفيذي لقطاع التنوع البيولوجي البري والبحري في هيئة البيئة - أبوظبي: «تُجسد شجرة الغاف رمزاً متجذراً في تراثنا الطبيعي، ودليلاً حياً على التكيّف في البيئة الصحراوية. ومن خلال هذا التعاون العلمي المثمر مع المركز الدولي للزراعة الملحية، نجحنا في الوصول إلى بيانات جينومية نوعية تسهم في رسم ملامح مستقبل صون هذا النوع الحيوي في الدولة. الذي يُعد ركيزة أساسية في تعزيز القدرة على مواجهة تغير المناخ. وبفضل هذه المعرفة، يُمكننا صون المجموعات المتميزة وراثياً بشكل فعال، وتوجيه جهود إعادة التأهيل استناداً إلى نهج علمي واضح. ويمثل هذا المشروع دليلاً على إسهام البحث العلمي والابتكار في تحقيق أهداف التنوع البيولوجي الوطنية وصون إرث بيئي مستدام للأجيال المقبلة».
وقالت سعادة الدكتورة طريفة الزعابي، المدير العام للمركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا): «يعكس هذا الإنجاز البحثي البارز التزام إكبا العميق بتسخير أحدث العلوم لدعم حماية التنوع البيولوجي المحلي وإدارته المستدامة. تحمل شجرة الغاف قيمة وطنية وبيئية وثقافية راسخة في دولة الإمارات والمنطقة، ومن خلال الكشف عن خريطتها الجينية، نوفّر للجهات المعنية بالحفاظ على البيئة وللمجتمع العلمي المعرفة الضرورية لضمان صونها واستدامتها لأجيال قادمة. ويمثل هذا البحث أكثر من مجرد إنجاز علمي؛ فهو يرسخ نموذجاً رائداً لكيفية توظيف تقنيات علم الجينوم في توجيه استراتيجيات صون الأنواع في البيئات الجافة والمالحة، وتعزيز القدرة على الصمود في مواجهة تغيّر المناخ على المدى الطويل».
ويندرج نشر نتائج البحث في إطار جهود الهيئة والمركز المستمرة لتعزيز القاعدة العلمية لإدارة التنوع البيولوجي في المناطق الصحراوية. ويمثل البحث إنجازاً بارزاً في مجال علم البيئة الصحراوية في شبه الجزيرة العربية وخطوة رائدة في دمج علم الجينوم ضمن الخطط الوطنية لحماية البيئة وصون الموارد الطبيعية.