شارك معالي الشيخ عبد الله بن بيه رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي رئيس المجلس العلمي الأعلى لجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية رئيس منتدى أبوظبي للسلم في المؤتمر الذي تشرف عليه هيئة رحمة للعالمين الباكتسانية بمبادرة من رئيس الوزراء الباكستاني د. عمران خان. ويهدف هذا المؤتمر إلى تزويد أصحاب القرار بآراء ومعارف أفضل علماء حضارتنا الإسلامية القادرين على تشخيص المشاكل الأكثر إلحاحا والتي يواجهها العالم الإسلامي في يومنا هذا. وذلك عبر استخدام الإطار العام للأخلاقيات الإسلامية، مع التركيز على سيرة النبي الكريم (ص).

وأكد الشيخ بن بيه  أن معالجة اختلالات المنظومة الأخلاقية تتم من خلال الاهتمام بالوظائف الأساسية لهذه المنظومة، وهي التي نعبر عنها في مقاصد الشريعة بالضروريات الخمس: الدين والنفس والعقل والنسل (العائلة) والمال (الملكية).

وقال إن صيدلية الإسلام تقدم لنا أنجع علاج، وتضع لنا برامج لإعادة التأهيل النفسي والروحي، هي إحياء علوم الدين كما فعل الغزالي، هي تجديد الأخلاق وتجديد الإيمان في النفوس، فالنفوس تحتاج إلى تجديد، والأخلاق تحتاج الى تجديد كذلك، لأن الأخلاق، كالنبات، تذبل إذا لم تسق بماء المكرمات. ومن القرآن الكريم ومن سيرة أفضل المرسلين يمكن أن نصنع مركبات الدواء التي تحل السلم في النفوس. وقال معاليه: "لا شك أن هذا الأمر يحتاج الى اجتهاد وتجديد. والحق أننا في حاجة إلى التجديد في كل الكليات الخمس، فهو تجديد شامل".

وأوضح معالي بن بيه بأن لكل عصر أسئلته، وأن سؤال الأخلاق من أكثر أسئلة عصرنا إلحاحا، وأن الجواب عن أسئلة العصر والتصدي لتحدياته هو واجب الوقت، الذي يقع على عاتق الحكّام والحكماء، فهم أطباء الحضارة الذين يشخصون داءها ويكتشفون دواءها، فالحضارات، كما يقول نيتشه، تمرض وأطباؤها الفلاسفة، ونحن نقول أطباؤها الحكماء أولو البصائر النيرة والعقول الثاقبة، وأطباؤها الحكام ذوو الشفقة والرحمة والحكمة.

وقد أثنى الشيخ بن بيه على معالي الوزير سعيه الحثيث لخدمة المجتمعات البشرية وتنظيمه لهذا المؤتمر الذي يجمع عددا من العلماء والخبراء والمختصين.

وبين الشيخ بن بيه بأن التجديد في مجال كلي الدين يشمل ما يتعلق بأصول الدين أو الفقه الأكبر وكذلك ما يتعلق بالفروع أو الفقه الأصغر.  ففي الفقه الأكبر، أي في العقائد، بحسب عبارة الإمام أبي حنيفة، نبحث عن رؤية للعالم، وهي رؤية كونيّة تُطلُّ على العالم وتتخذ موقفًا من كل قضاياه، هذه الرؤية تبحث عن التجديد في الفقه الأكبر عن طريق تطوير أساليب البرهنة وطرق العرض واستغلال الإمكانات التي أتاحتها المعارف البشرية الجديدة.

ومن أوجه التجديد الممكنة في الفقه الأكبر، استثمار ثمرات العقول والعلم الحديث في صياغة العقائد وعرضها عرضا سليما بطرائق الاستدلال المناسبة لإدراك أهل العصر، وأن لا نجد في أنفسنا حرجا من الاستعانة بالفلسفة، فإن المدارس الفلسفية منها المدارس الصديقة التي يجب أن نستفيد من تجربتها وحاصل تحريراتها، ومنها المدارس التي يمكن أن نسميها خصما ولكن ليس بالضرورة عدوا، وهذه ينبغي محاورتها، فنستفيد من الصديقة ونحاور الأخرى المخالفة أو المنافسة. ومن ثمة علينا أن نحاور في العقائد مستخدمين أدوات الفلسفة الحديثة. وقد ذكر العلامة إقبال أن الأشاعرة كانوا سباقين لاستخدام الجدل الإغريقي في دفاعهم عن الرأي التقليدي عند أهل السنة. وإن كان إقبال يميل إلى البعد الروحي الذي يدافع عنه الإمام الغزالي.

أما بالنسبة للفقه الأصغر فالتجديد فيه هو عبارة عن الربط بين القضايا المتجددة والأصول الحاكمة، وهي أصول واسعة مترامية الأطراف لا ينقطع عطاؤها ولا ينفد مددها. وذلك بإعادة الاعتبار للاجتهاد من خلال أصول الفقه ومقاصد الشريعة وتفعيل الأدوات الفقهية الاجتهادية التي تزخر بها المذاهب الإسلامية مثل الاستحسان عند الحنفية والمصالح المرسلة عند المالكية.

وفي كلي الحياة: يتم التجديد بإعادة الكرامة لكل إنسان، وإعادة ما يسمى، عند الحنفية، بالعصمة الآدمية أو العصمة الإنسانية. فكل إنسان حياته محترمة لا يجوز الاعتداء عليها.

وفي كلي العقل: لا يقتصر حفظ العقل على منع مغيبات العقول من خمور ومخدرات، وإنما يتجاوزه إلى الحرص على جودة العقول ومعالجة الأمراض النفسية والعقلية وتشجيع العقول على الإبداع والابتكار وتشجيع العقليات الجبارة العبقرية التي تظهر في العالم وفي العالم الإسلامي بالذات، فذلك يعد من الحفاظ على العقل لأن الدين يريد أن تكون العقول صافية ومشرقة وأن تكون قادرة على الاستيعاب.

وفي كلي النسل (العائلة): يكمن التجديد في مسألة المحافظة على الأنساب بتشجيع الأواصر العائلية وتشجيع القيم والحياة العائلية وعدم التفكك، يقول تعالى: "وَمِنْ ءَايَٰتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً"

وفي كلي المال يكون التجديد من خلال تشجيع خلق الثروة وحسن توزيعها وحسن الإنفاق والإنتاجية وخلق فرص العمل.