شهد «مؤتمر الآثار 2023»، الذي أقيم في المنطقة الثقافية في جزيرة السعديات في أبوظبي تحت عنوان «2,500 عام من الازدهار والتبادل والانفتاح»، الكشف عن نتائج دراسات وأبحاث جديدة للمقابر والمدافن الأثرية في العين، أكبر المدن الداخلية في إمارة أبوظبي.

وقدَّم عالم الآثار بيتر شيهان، مدير المباني التاريخية في دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، بحثاً عن المدافن التي يعود تاريخها إلى القرن الأول قبل الميلاد في المؤتمر الذي نظَّمته دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، ومتحف زايد الوطني المقرَّر افتتاحه قريباً.

وعُثِر بالقرب من هذه المدافن على قطع أثرية تتضمَّن أدوات زينة وأوعية زجاجية، ومجموعة كبيرة من أواني الشرب ذات الطراز الروماني. وتشكِّل هذه الاكتشافات الأثرية دليلاً على الروابط بين أرض دولة الإمارات قديماً ومنطقة البحر المتوسط، ومدى اتساع طرق التجارة بين مناطق العالم.

وأشار شيهان إلى أنَّ اكتشاف مدافن في العين ترجع إلى هذه الحقبة التاريخية المبكِّرة يُعدُّ دليلاً على وجود مستوطنة بالقرب منها، وأنَّ وجود قنوات المياه الجوفية العميقة (الأفلاج) في هذه المنطقة يُقدِّم دليلاً إضافياً على نشوء واحة العين القريبة خلال تلك الفترة، وعلى تطوُّر المشهد الاجتماعي والتاريخي في منطقة العين، المدرجة على قائمة اليونيسكو لمواقع التراث العالمي.   

وقال سعادة سعود عبد العزيز الحوسني، وكيل دائرة الثقافة والسياحة- أبوظبي: «تسلِّط هذه الاكتشافات الأثرية المُهمة ضوءاً جديداً على تاريخنا في الخليج العربي، وتمنحنا فهماً أكبر لحياة أجدادنا اليومية، وصورة أكثر وضوحاً للعادات والطقوس الجنائزية المتبعة في ذلك الوقت. وتسرد القطع الأثرية قصة مجتمعاتنا، والروابط المشتركة التي جمعتها متخطية الحدود الجغرافية والمسافات، وتبرهنُ على أنَّ سمات الازدهار والتبادل والانفتاح كانت جزءاً جوهرياً من حياة سكان هذه المنطقة منذ آلاف السنين».

وأوضح الدكتور بيتر ماغي، مدير متحف زايد الوطني، أنَّ «متحف زايد الوطني يفخر بتنظيم (مؤتمر الآثار 2023) الذي يناقش أحدث الاكتشافات والأبحاث الأثرية في دولة الإمارات العربية المتحدة، انطلاقاً من التزامنا، بصفتنا متحفاً وطنياً لدولة الإمارات، بالتنقيب في جذور تراثها الأصيل، والمحافظة عليه، واستدامته للأجيال المقبلة، وتعزيز اهتمام المجتمع به، والاحتفاء بإرث وقيم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيَّب الله ثراه، الذي أشرف بنفسه على الحفريات الأثرية الأولى في منطقة العين منذ سبعين عاماً».

وخلال فعاليات المؤتمر، عرض الدكتور برونو أوفرليه، رئيس الأمناء في المتاحف الملكية للفنون والتاريخ، نتائج الاكتشافات الأثرية الأخيرة في منطقة مليحة في إمارة الشارقة، ومن أهمّها وعاء برونزي مزخرف بمزيج من الصور للحضارة الهلنستية والإفريقية والعربية، منها صورة الإسكندر الأكبر، ورجل عربي يقاتل أسداً، وجملاً يرقد خلفه، ما يدلُّ على التوسُّع التجاري الذي كانت تشهده المنطقة في ذلك الوقت. وتتشابه قطع المدافن الأثرية في منطقة مليحة مع تلك التي عُثِر عليها حديثاً في العين. ويضمُّ الموقع أيضاً أدلّةً ترمز إلى الاحتفاء بالحياة إلى جانب الطقوس الجنائزية. 

واكتشف فريق الآثار في دائرة السياحة والآثار في إمارة أم القيوين دير السينية، ومستوطنة قديمة لصيد اللؤلؤ على جزيرة السينية، مقابل البلدة القديمة. وتمت الاكتشافات في البداية بتوجيهات من الشيخ ماجد بن سعود بن راشد المعلا، رئيس دائرة السياحة والآثار بالتعاون مع وزارة الثقافة والشباب، والبعثة الأثرية الإيطالية في أم القيوين، وجامعة الإمارات العربية المتحدة، وجامعة نيويورك أبوظبي

وتوضِّح الأبحاث الجديدة وجود أحياء سكنية قديمة قد تكون هي البلدة المفقودة «توام» على جزيرة السينية مقابل البلدة القديمة. وتُعرَف مدينة «توام» فقط من السجلات التاريخية التي وصفتها بأنها عاصمة صيد اللؤلؤ في الخليج السفلي، وهي تجارة احتلّت على مرِّ العصور ومنذ آلاف السنين مكانةً أساسية في دولة الإمارات.

وقدَّم الدكتور تيموثي باور، البروفيسور في جامعة الإمارات العربية المتحدة، بحثاً جديداً يتناول بقايا آثار الدير المسيحيّ من القرنين السادس والسابع المكتشَف حديثاً، ومستوطنة صيد اللؤلؤ القريبة منه، والتي تعدُّ واحدة من أقدم المستوطنات المكتشَفة في دولة الإمارات.

 ويمثِّلُ الدير والبلدة دليلاً على الوصولِ المبكر للديانة المسيحية إلى الخليج العربي قبل الإسلام. ومن المرجَّح أن تكون الكنيسة المسيحية قد عزَّزت نفوذها الاقتصادي في جزيرة السينية من خلال المشاركة في تجارة اللؤلؤ إقليمياً، حيث تضمُّ البلدة منازل التجار، وأدلة على نشاط صيد اللؤلؤ تشمل أكواماً من القواقع وأصداف المحار، إلى جانب أثقال تساعدُ الغواصين. وتشمل القطع الأثرية الموجودة في الدير خزفيات من جنوب آسيا، ما يدلُّ على متانة الروابط الاقتصادية والدينية بين الخليج العربي والهند.