في ظل التحديات العالمية وارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، الموضوع الذي يشكل أهمية قصوى، أكثر من أي وقتٍ مضى؛ تتخذ إمارة أبوظبي خطوات واثقة وتبذل جهودها لتفعيل السياسات وتعزيز أمن مدننا للحد من ظاهرة التغير المناخي. وبدورها وضعت دائرة البلديات والنقل الاستدامة البيئية على رأس أولوياتها، من خلال تفعيل استراتيجيتها والتي تركز على جودة حياة سكان الإمارة، ووضع سياسات وإجراءات صارمة، وتفعيل برامج متنوعة، تساهم في تحفيز النمو المستمر للإمارة ودعم مسيرتها التنموية. 

وقد أكد معالي فلاح محمد الأحبابي، رئيس دائرة البلديات والنقل – أبوظبي، على أهمية اتخاذ خطوات واضحة ومدروسة لمواجهة التحدي، وقال: "علينا أن نساهم في تعزيز أمن مدننا، مع استمرار ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، والتي تنتج تغير في الظروف الجوية، والجفاف، وحرائق الغابات، والعواصف، والفيضانات، وارتفاع مستوى سطح البحر، ما يؤثر بشكل سلبي على التنوع البيولوجي، والأمن الغذائي، وتوافر المياه للمجتمعات." 

وأضاف معاليه: "تختلف الآثار الناتجة عن تغير المناخ في جميع أنحاء العالم، إذ تكون المدن الساحلية أكثر عرضة بشكل خاص للفيضانات، بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر. لذا من المهم تطوير الخطط واتخاذ اجراءات اللازمة للوصول للحياد المناخي، وتعزيز التعاون الدولي لبناء القدرات وتبادل المعرفة التي تساعد على صياغة السياسات وإيجاد حلول تساهم في التكيف مع التحديات الحالية والقادمة."

وقال معاليه: "لنكون قادرين على مواجهة الأزمة القادمة، نحن بحاجة إلى استجابة وتعاون المجتمع الدولي، واتخاذ إجراءات سريعة، ووضع حلول مرنة، للحد من التغير المناخي والتوجه لاقتصاد خالٍ من الكربون. وأمامنا تحدِ كبير، وعليه لابد من الحكومات التجهيز لمدن بمعايير مستدامة وحلول مبتكرة، وإعادة تخطيط المناطق المعرضة للخطر."

مدن أكثر مرونة بمعايير الاستدامة

وعملت دائرة البلديات والنقل على تصميم معايير وقواعد البناء لجعل المدن أكثر مرونة في مواجهة ارتفاع مستوى سطح البحر، لتكون المباني الحالية والجديدة موفرة للطاقة، ومحمية من الحرارة الزائدة، والظروف الجوية القاسية الأخرى، ومصممة جيدًا وفقًا لأفضل معايير الاستدامة. ومن أبرز المعايير التي يتم تطبيقها في المباني الجديدة في الإمارة، هي الزجاج المقاوم للكسر في كافة النوافذ والأبواب والمسطحات الزجاجية بالمبنى، ولا شك بأن دمج تأثيرات المرونة وتغير المناخ في معايير البناء والتصميم يمكن أن يجعل مدننا أكثر مرونة في مواجهة تأثيرات المناخ ويسمح لها بالتعافي بشكل أسرع.

وتحقيقًا لهذه الأهداف، أطلقت الدائرة برنامج استدامة، وهي المبادرة الأولى من نوعها المصممة لمنطقة الشرق الأوسط، لتخطيط وتصميم وبناء وتشغيل المباني المستدامة التي تحمل الطابع المحلي الأصيل، والأخذ بعين الاعتبار المناخ القاسي وطبيعة المنطقة. كجزء من نظام التقييم بدرجات اللؤلؤ، والذي يشجع على التقليل من استهلاك المياه، والطاقة والنفايات، بالإضافة إلى استخدام المواد المحلية، لتحسين سلاسل التوريد للمواد والمنتجات المستدامة والمعاد تدويرها. 

تعزيز المساحات الخضراء الحضرية

ونجحت الدائرة في تحقيق التنمية والاستثمار في الموارد الطبيعية، وتعزيز المساحات الخضراء الحضرية، عن طريق زرع الأشجار، من أجل تعزيز امتصاص انبعاثات الكربون، وحماية واستعادة الأراضي الرطبة والموائل الساحلية مثل غابات القرم.

نقل مستدام وصديق للبيئة

وتنطلق إمارة أبوظبي نحو مرحلة جديدة من التطور في قطاع النقل المستدام الصديق للبيئة، ضمن استراتيجية إدارة التنقل الذكي في إمارة أبوظبي، والتي تهدف إلى دعم عملية التحول نحو النقل الذكي والمستدام القائم على المعرفة والحلول المبتكرة. حيث يبذل مركز النقل المتكامل، التابع لدائرة البلديات والنقل، جهوداً كبيرة لرفع كفاءة قطاع النقل العام وخفض انبعاثات الكربون، بما يتماشى مع رؤية قيادتنا الحكيمة في أن تصبح مدن إمارة أبوظبي، ذكية وصديقة للبيئة ومستدامة في خدماتها ونمط العيش فيها.

وتم إطلاق المرحلة الثانية من مشروع التنقل الذكي في جزيرتي ياس والسعديات، من خلال مركبات ذاتية القيادة TXAI، والتي تمثل أولى مركبات الأجرة المؤتمتة بالكامل في الدولة، وخدمة الحافلة ذاتية القيادة Robobus؛ لبناء نظام نقل ذكي يدعم التنمية عبر مختلف القطاعات ويسهل تنقل سكان وزوار الإمارة. وتأتي أهمية التنقل الذكي في تقليل الازدحام المروري، وتحسين السلامة على الطرق، وتحسين إمكانية الوصول إلى وسائل النقل، وتعزيز النمو الاقتصادي وحماية البيئة من خلال تقليل انبعاثات الكربون مع تحسين نوعية الحياة لسكان إمارة أبوظبي.

تعاون مشترك وتبادل خبرات لمستقبل للجميع

وبذلت إمارة أبوظبي جهودًا كبيرة للتوجه نحو وسائل نقل مستدامة، وتحقيق الأهداف المناخية التي حددتها المبادرات والأحداث العالمية مثل اتفاق باريس للمناخ، وأهداف التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، والمنتدى الحضري العالمي. وشاركت بشكل مستمر في منصات عالمية مثل المنتدى الحضري العالمي الحادي عشر، ومؤتمر الأطراف 26 حول المناخ (COP26)، لتعزيز التعاون وتبادل المعرفة مع خبرات عالمية. إذ تجمع هذه الملتقيات العقول والخبرات في مجالات متعددة، لمناقشة أبرز المواضيع والحلول المبتكرة، واستراتيجيات التكيف والتخفيف، ومعايير كفاءة الطاقة والموارد، والحوكمة متعددة المستويات، وأطر السياسات المبتكرة، وتمويل الأبحاث والعلوم المبتكرة المتعلقة للحد من ظاهرة تغير المناخي الحضري.

كما أن السنتين الماضيتين شهدتا تعاوناً مسؤولاً وإيجابياً من القطاع الخاص والقطاع الحكومي، وكافة ومختلف الأفراد، لمواجهة التحديات والأزمة التي شهدتها المنطقة. لذا علينا أن نتكاتف ونساهم من خلال ممارساتنا الصحيحة ومبادراتنا التطويرية والتزامنا، حتى نتمكن من مواجهة تحديات تغير المناخ التي من المتوقع أن نواجهها في المستقبل.

تخطيط فعال واستعداد للتحديات

وبينما يكتسب العالم فهم شامل وواضح لتأثيرات ظاهرة التغير المناخي، ومعدل ارتفاع مستويات سطح البحر، تلتزم دائرة البلديات والنقل بالتقييم المستمر لتأثيرات سياساتها، لضمان تحديثها بشكل يتناسب مع التغيرات الطارئة، وحماية التطورات الساحلية لإمارة أبوظبي. ونأمل أن تساعد جهودنا على أن تصبح إمارة أبوظبي نموذجاً للتخطيط المستدام المتكامل، والإدارة الفعالة لتطوير والتنمية والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.

تجارب دولية

ونجد أن العديد من المدن الساحلية، تمتلك أسوارًا بحرية وسدودًا اصطناعية تم إنشاؤها لحماية البنية التحتية، كجزء من استراتيجية أوسع، وتركز المناطق المنخفضة على استعادة الشواطئ والأراضي الرطبة. حيث تتعاون بعض البلدان مثل هولندا، وجزر المالديف لبناء مدينة مالديف العائمة، والتي تتغير مع الاحتياجات والمتغيرات لتبقى طافية فوق مستوى سطح البحر. وتستخدم الصين المساحات الخضراء ومناطق المستنقعات وخزانات التخزين تحت الأرض، لامتصاص هطول الأمطار ومنع الفيضانات، وبعض الدول تقوم ببناء القنوات، وتوسيع أنظمة الصرف الصحي، وتنفيذ تصريف سريع التدفق، واستخدام الرصف والأسطح القابلة للاختراق.